درويش الأسيوطي يكتب " نسر الصعيد الافتراضي "وإسقاط مؤسسات الدولة



درويش الأسيوطي يكتب " نسر الصعيد الافتراضي "وإسقاط مؤسسات الدولة 
درويش الأسيوطي  
الشاعر وكاتب السيناريو والمؤلف المسرحي

تابعت الثلث الأول من حلقات مسلسل ( نسر الصعيد ) الذي صنعه السيناريست محمد عبد المعطي وأخرجه المخرج ياسر سامي ليتناسب مع الهدف الأول من انتاج المسلسل وهو تحويل الممثل محمد رمضان إلى [ إل كابوني ] مصري ، يستظرف في أوقات فراغه من العنف ببعض النكات الفجة والاكلاشيهات اللفظية التي أقام أحدهم لها مسرحا تلفزيونيا خاصا . 

وما تزال شركات الانتاج تواصل بإصرار وجه صعيد مصر إما عن جهل غير مبرر وإما عن عمد مجرم يحاول أن يقسم الوطن إلى وطنين وأكثر إضعافا للدولة وتمهيدا لهدم مؤسساتها . وقد يرى البعض في هذه الاتهامات تزيدا ومبالغات ، لكن المتأمل لتلك المسلسلات سوف يكتشف خطورة ما تقدمه وما تمهد له . 

والصعيد في مسلسلنا هذا وأمثاله (
صعيد افتراضي) لا يعيش فيه غير محمد رمضان ومجموعة ( كاست ) المسلسل. صعيد ليس هو الصعيد الذي عشنا ونعيش فيه، فهو صعيد يخلو من المؤسسات، يخلو من المثقفين ، يسوده الجهل والبلاهة . صعيد به مواخير مثل كابريهات شارع الهرم ،لا أظن أهل قنا سمعوا بها . تكتظ بيوت الأغنياء فيه بأثاث فاخر على أحدث الطرز ، لكن صالح وأهله يأكلون على
( طبليه ) . ورغم أن المسلسل صدر تتراته بأن الأحداث تجري في قنا وفي العقد الأخير من القرن العشربن إلا أنه افتتح مشاهده بمشهد يقوم فيه ( خولي ) صاحب الأرض ( هتلر) بجلد الفلاحين تحت إشراف الإقطاعي( صاحب الأرض) حتى يأتي المخلص صالح القناوي ( محمد رمضان ) ليوقف المجزرة ويكشف براءة الفلاحين ، ويدين الخولي (هتلر) بالسرقة . والذي تجاهله السيناريست هوــ فقط ــ واقع الصعيد السياسي والاجتماعي ، فالصعيد بتكوينه القبلي لم يعرف (عبيدالأرض ) أو الحياة الاقطاعية التي عرفتها أوربا ، والتي عرف بعض أشكالها في قرى الدلتا . كما أن زمن المسلسل الذي اختاره كاتب السيناريو هو العقد الأخير من القرن العشرين ، وهو تاريخ نعلم كلنا كان قد صار فيه الإقطاع من الماضي . هذه الأخطااء لا تعنيني هنا كثيرا فالأخطر سأوجزه في القرات التالية .

في هذا الصعيد الافتراضي تبدو الدولة كظل شاحب ، نرى ( محمد رمضان ) أو صالح القناوي لديه القدرة على القيام بكل ما تعجز مؤسسات الدولة في قنا في تسعينات القرن العشرين وأوائل القرن الجادي والعشرين ، فهو القائم بارساء العدل بدلا من المحاكم والنيابة ، وهو القادر على حفظ الأمن وتأديب الخارجين عن قانونه .. بدلا من أجهزة الأمن ، حتى أننا نجد الصديق حجاج ثابت ضابط الشرطة ( أو المأمور ) يتفرج على الأحداث مثلنا تماما . 

هذه المسلسلات تقوم تماما بتنفيذ(
خطة إسقاط الدولة ) التي تتبناها العناصر الإرهابية . فبعد أن يرى الشاب أو المواطن غير الواعي صالح القناوي ، يقيم المجتمع المثالي في قنا خارج إطار الدولة ألا يدور في خاطره وأحلامه أن يقوم صالح القناوي بعمله هذا في كل مدننا ومحافظاتنا بدلا من تلك الأجهزة التي لا تحفظ أمنا ولا تقيم عدلا ، ألا ترون في صالح القناوي شخصية (أمير الجماعة) الذي له السمع والطاعة لا لسبب إلا أنه رجل صالح . ألم يسأل السيناريست نفسه سؤالا بسيطا : هل هناك بالفعل من وظيفته في الحياة هي القضاء العرفي ، وهل القاضي العرفي هذا يتدخل في كل كبيرة وصغيرة في مجتمعه أو له وظيفة إجتماعية مؤقته يكلف بها في إطار ساسة مؤسسات الدولة .
أعرف أن تقييم العمل الفني لا يكون إلا بعد اكتمال رؤيته كاملا ، لكن بعد مضي ثلث الحلقات تقريبا نستطيع قراءة الكثير من المؤشرات الفنية ، فالمسلسل (
الذي لم يشر إلى من كتب قصته ) يعتمد السيناريست فيه على تخليق شخصيات آحادية تقترب من شخصيات الأنماط، فهتلر وأسرته أشرار للنهاية وصالح وأهله أخيار للنهاية . كما أن معظم الحيل الإخراجية ساذجة تهتم بالاستعراض أكثر من الاهتمام بالدلالة، كما أن بعض الأخطاء التقنية وضحت خلال الحلقات الأولى . أما الحوار فحدث ولا حرج ، فالشخصية الشريرة الجاهلة تقول مثلا : (الوقت عرفت من أين تؤكل الكتف ) وهي جملة لا تتناسب مع مكونات الشخصية وأمثالها كثير . كما أننا نسمع زين يحدث زوجة أبيه ( وفاء عامر ) قائلا : يسمع من بؤك ربنا ..بلهجة الممثل لا لهجة الشخصية إلخ . وآمل أن أعود للكتابة عن هذا العمل الفني لأستكمل عناصره الأخرى .

Post a Comment

اترك تعليق حول الخبر

أحدث أقدم