خطر الشائعات علي الأفراد والمجتمعات مع الشيخ حسن محمد حسن الواعظ بالأزهر الشريف. 

متابعة المستشار الاعلامي هيثم زكريا الاصيل 


الحمد لله رب العالمين وصلاة وسلاما علي سيد النبيين والمرسلين سيدنا محمد وعلي رسل الله أجمعين 

وبعد:

  كلماتٌ، ولكنَّهنَّ ليسَ كباقي الكلماتِ، لأنَّهنَّ قاتلاتٌ، تُسرعُ كالرِّيحِ، وتشتعلُ كالنَّارِ، كم هدمتْ من صداقةٍ ودارٍ، وكم فَرَّقتْ من قريبٍ وجارٍ، بسببِها يُتَّهمُ البريءُ، ويُكذَّبُ الصَّادقُ، ويُخوَّنُ الأمينُ، ويخافُ المجتمعُ بعدَ الاستقرارِ، وترتفعُ بعد انخفاضِها الأسعارُ، وتُهزمُ بها الجيوشُ، وتَسقطُ منها الدُّولُ، وكم نَدِمَ الكثيرُ على تصديقِها ولكن بعدَ ما قُضيَ الأمرُ وفاتَ، إنَّها الإشاعاتُ؛ وما أدراكَ ما الإشاعاتُ؟!.

الإشاعاتُ كلماتٌ، والكلماتُ قد ترفعُ الإنسانَ إلى أعلى المقاماتِ، وقد تهوي به في أسافلِ الدَّركاتِ، عن بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيَّ -رضي الله عنه- قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلّى اللهُ عَليْهِ وسَلّمَ- يَقُولُ: "إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ، مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ، فَيَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ، فَيَكْتُبُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ".

الإشاعةُ قد تُغيِّرَ مجرى المعاركِ من النَّصرِ إلى الانهزامِ، وما ظنُّكم بجيشٍ قائدُه محمدٌ -صَلّى اللهُ عَليْهِ وسَلّمَ- وجنودُه الصَّحابةُ الكِرامُ؟ في غزوةِ أحدٍ سَرتْ إشاعةٌ كاذبةٌ أنَّ الرسولَ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- قد قُتلَ، وذلك أن عبدَ اللهِ بنَ قمئةٍ قَتلَ مُصعبَ بنَ عميرٍ وكانَ من أشبهِ النَّاسِ بالرَّسولِ فَظنَّ أنه قدْ قتلَ الرَّسولَ، فنادى بأعلى صوتِه: لقد قَتلتُ محمدًا، فماذا كانَ أثرُ هذه الإشاعةِ على الجيشِ؟ أدَّتْ هذه الإشاعةُ لانهيارٍ في معنوياتِ المسلمينَ، وعمَّتْ الفوضى في صفِّ الجيشِ، ونزلَ الخبرُ عليهم كالصَّاعقةِ حتى إنَّ بعضَهم ألقى سيفَه وجلسَ في مكانِه من هَولِ المصيبةِ، وثَبتَ من ثَبتَ من الذينَ قالَ اللهُ فيهم: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) [الأحزاب:23]، وكادَ رسولُ اللهِ -صَلّى اللهُ عَليْهِ وسَلّمَ- أن يُقتلَ حيثُ خَلُصَ إليه المشركونَ فكسروا أنفَه وسِنَّه، وشجّوا وجهَه الشَّريفَ حتى سالتْ منه الدِّماءُ، فجعلَ يمسحُ الدَّمَ عنه، ويقولُ: "كيفَ يُفلحُ قومٌ شجُّوا نبيَّهم؟".

وانظرْ كيفَ تعاملَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ -رضي الله عنه- مع الحَدثِ، فقدْ انْتَهَى إِلى رِجَالٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَقَدْ أَلْقَوْا بِأَيْدِيهِمْ، فَقَالَ: مَا يُجْلِسُكُمْ؟ قَالُوا: قُتِلَ رَسُولُ اللَّهِ؛ قَالَ: فَمَاذَا تَصْنَعُونَ بِالْحَيَاةِ بَعْدَهُ؟ قُومُوا فَمُوتُوا عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلّى اللهُ عَليْهِ وسَلّمَ-، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْقَوْمَ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، ففعلَ ما أُمرَ به من القتالِ في سبيلِ اللهِ حتى نالَ الشَّهادةَ، ولم يلتفتْ إلى الشَّائعاتِ التي تُضعفُ الإرادةَ.

ومن هذا يتضح أن الكلماتُ لها أثرٌ غريبٌ جبَّارٌ، بُها تُبنى المُجتمعاتُ وتَنهارُ، وبها تتغيَّرُ المفاهيمُ والأفكارُ، كما قالَ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْراً".

بالكلماتِ يُصبحُ القبيحُ حَسَناً، ويُصبحُ الكَذبُ صِدقاً، واسمع إلى هذه الحادثةِ الغريبةِ، ذكرَ ابنُ كثيرٍ -رحمَه اللهُ- في حوادثِ سنةٍ ثلاثمائةٍ وأربعٍ، أنه اشتهرَ ببغدادٍ أن حيواناً يُقالُ له (الزَّرنبُ)، يطوفُ بالليلِ يأكلُ الأطفالَ من الأسِرَّةِ، ويعدو على النِّيامِ، فربما قطعَ يدَ الرجلِ وثديَ المرأةِ وهم نائمونَ، فجعلَ النَّاسُ يضربونَ على أسطحتِهم على النُّحاسِ من الهواوينِ وغيرِها ينفرونَه عنهم، حتى كانتْ بغدادُ بالليلِ تَرتَجُّ من شرقِها إلى غربِها، واصطنعَ النَّاسُ لأولادِهم مَكبَّاتٍ من السَّعفِ وغيرِها -يُخفونَهم فيها-، واغتنمتْ اللصوصُ هذه الشَّوشةَ فكَثرتْ النُّقوبُ وأُخذتْ الأموالُ، فأمرَ الخليفةُ بأن يُؤخذَ حيوانٌ من كلابِ الماءِ فيصلبُ على الجسرِ ليَسكنَ النَّاسُ عن ذلك، ففعلوا فسَكنَ النَّاسُ ورجعوا إلى أنفسِهم، واستراحُوا من ذلك. فعجباً للإشاعاتِ! كيف جعلتْ الخيالَ حقيقةً، حتى صدَّقَها النَّاسُ كأنَّها أمرٌ محتومٌ، بل واخترعوا قِصصاً كثيرةً لحيوانٍ معدومٍ.

وهذه شائعة خطيرة كان لها الأثر في انتشار التدخين إنها شائعة فوائد التبغ:

كان جان نيكوت سفيرًا لفرنسا في البرتغال، وقد زرع التبغ في حديقة منزله مستهدفًا تزيينها بأوراق التبغ الجميلة وأزهاره الجذابة، وفجأة طارت الشائعات ببعض الفوائد الطبية لهذا النبات، وسَرْعان ما فشا وانتشر في أوربا كلها، وكانت تلك هي البداية الخطيرة لانتشار ظاهرة التدخين في جميع أنحاء العالم.

النيكوتين: هو المادة الفعالة المؤثرة في التبغ، وهو مادة سامة قاتلة، ويكفي منها خمسون ملليجرامًا للقضاء على أي إنسان في عدة ثوان، فإذا عرفت – أخي الكريم – أن نسبة ما يوجد منها في السيجارة العادية حوالي خمسة ملليجرامات، أدركت الموت البطيء الذي يتعرض له مدمن السيجارة؛ (الأدلة على حرمة التدخين – لإبراهيم محمد سرسيق – صـ 56).

ووالله إني لأتعجب إن كنَّا قد أُمرنا بالتَّثبتِ في نقلِ خبرِ الفُسَّاقِ، قالَ -سبحانَه-: (يَا أَيُّهَا الّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) [الحجرات:6]، فكيفَ بأخبارِ  الأعداءِ أو أخبارٍ مجهولةٍ المصدرِ؟.

فانتبهوا من الكلماتِ التي تُدارُ في المجالسِ، وتُرسلُ في وسائلِ التَّواصلِ، وحافظوا على أمنِكم وبلادِكم من كلِّ سوءٍ.

حفظ الله مصرنا وبلاد المسلمين من كل شر وسوء.

Post a Comment

اترك تعليق حول الخبر

أحدث أقدم